قلت أين السبيل إلي الجبل؟..وأنا أفرُك عينيّ من شدة النعاس، تخالط الأحلام طريقي بمثاءبة رقيقة..
"أين الطريق أيها العجوز؟"
تتباطأ كلماتي مع نظرته الحادة إلي، فإذا بالساعة قد قاربت الواحدة صباحًا.. فلا أطلب منك إلا وصف بسيط صادق..
وحسب ما تقول المخطوطة العتيقة فلا أسأل غير شيخ عجوز أرمل يجلس علي حافة النهر..
"فمابالك تعرفين أنني أرمل أيتها الفتاة المدللة؟، وهل ترين أني أقف علي النهر أشم هواءًا عليلا أم أني علي وشك الانتحار من شجوني الدامية؟.."
ضحكتُ بدلال، وقلت "الان تأكدت من أنك عجوزي البائس الأرمل..
هلا دللتني علي طريق الجبل؟"
"ولم تبحثين عن الجبل؟..هل ينتظرك حبيبك هناك؟..
ومالك أنت؟..
"مالي أنا..أنظري عجوزًا اخرا يدلك علي الطريق..والسلام لمخطوطتك اللعينة"..
جلست بجانبه علي دكة خشبية واهنة، ربما لا تحتمل ثقل فستاني وهمومه..واصطنعت الحزن..
مال هذه الفتاة أوشكت علي البكاء، لم أقصد أن أتسبب باسقاط دموعك الصغيرة ولا باحمرار عينيك الواسعتين..
ناداني علي حين غرة بصوت أجش..
"يا فتاة، هلمي بنا إلى الجبل..لنرى مايحزنك إلى هذا الحد"
،،
طوال الطريق تجري أمامي، وأجري لألاحقها..ما بال هذه الفتاة ومابالي أطعتها؟..تبًا لعجوز مثلي أراد استرجاع مافاته
من الشباب في لحظة..
"أسرع فإن الموعد قد حان..وربما يصعد إذا لم اتي في الميعاد"
"احبيبك يصعد؟.وأي حبيب هذا؟"
سرت أهرول أيتها الشقية..لو كانت امرأتي حية لكانت أوسعتك ضربًا..احذري الثوب فالطريق شاق، واني لاقسم بعمري أنه سيظل يحبك وان رآك مبعثرة الاشلاء..
"أيها العجوز..مابالك تتباطأ وهناك بادر لشئ عال..هل هو الجبل؟"
"لا يا صغيرة..مازال الطريق طويلا."
"ولا تناديني بالصغيرة.."
"انتي تناديني بالعجوز.."
ناديني بأي شئ..فقد أسلمت إليكي في لحظة..وانه الجبل ولكن لم يسعدني السير بجانبك أطول..
"أخيرا وصلنا.."
"وصلنا يا صغيرة.."
وما تفتأ تتركني وتجري، تجري إلى الجبل..فانتظرتها بالسفح القارس البرودة.
وسمعتها،
"أيها العجوز..انني هنا.."
"تصعدين الجبل؟."
"ولم لا؟.فاني انتظره.."
"فوق الجبل؟."
ولم أرها، لم أرها قرابة ساعة..وقع خلالها حذاؤها العالي منذرًا بسوء واقع..
ياللمجنونة..
اني لعجوز..
سأصعد لا محالة..لأرى هذا الولد..
صرت انهج..الجبل يقتلني والبرد..
ولكنها غابت..هذه الطفلة الكبيرة..
المخطوطة تقول..أن هذه هي ليلتي المنتظرة..سيسقط الان بلاشك..الضباب يغطي ولكني موقنة..
كدت أصل..
القمر مكتمل هذه الليلة..اني لمحظوظ رغم هذا لرؤيته عن قريب..
"أيتها الصغيرة..وجدتك..وجدتك وحيدة؟..ألم يأت بعد؟."
"لا أعلم ان سقط أم لا..لا أعلم..انتظرته طويلا..بعد فرحي أخيرا بالوصول..لم يسقط."
"حبيبك؟."
"نعم..القمر.
هذه ليلة سقوطه إلي الجبل..إنه يسقط ليلة في عمر الأرض..وفتاة شابة تحظى به.."
"هكذا تقول؟.."
"نعم"
لم أصدق ماتقول..أهذا ما جئنا لأجله؟..أهذا ما تبعتها إلى هنا لأجله..
"يا لغبائي."
"يالغبائي أنا، كيف صدقت كل هذا؟."
ووقفت أمامها بجانب استدارة القمر..وأشرت إليه وعنفتها..
ونظرَت باستسلام..
ووقف أمامي بجانب استدارة القمر وأخذ يعنفني..واستسلمت..
لقسمات وجهه التي تشبه شقوق القمر..
العجوز الأرمل..صورة لقمر..سقط القمر..
العجوز الأرمل..
انتظر..
تمــــت
عن مقطوعة سقوط القمر، لمارسيل خليفة